الطارق
الجزء الثاني
* قرية الفداوية....صعيد مصر
سنة 1966م يوم الأحد.. الثامنة مساءاً
جلس العقيد كامل عدب الدايم في مغفر القرية وهو ينفث دخان لفافة التبغ في عصبية... ويمسك بقلم فضي ويرسم بعض الأشكال العشوائية.
كان يعلم في قرارة نفسه أن ما حدث في تلك القرية هو أمر خارج النطاق الطبيعي للجرائم.
ورغم تاريخه الطويل في جهاز الشرطة فهر لم يشاهد مثل هذا العدد من الجرائم يحدث هكذا بين ليلة وضحاها...
الأمر ليس ثأراً.. وليس هناك عداوة بين أهل القرية من الأساس
ولو كان ما حدث هو بسبب خلافات بين العائلات في القرية فكيف تحللت الجثث بهذا الشكل الغريب.
كان يطالع التقرير الطبي المبدئي الذي قدمه له أحد الأطباء والذي يشير إلي أن الجثث الي تم العثور عليها هي في الأساس جثث متحلله وقد مضي علي وفاتها أكثر من 40 يوماً!!!
كيف تكون نتيجة التحاليل بهذا الشكل وهذه الكيفية.. في نفس الوقت الذي تمت فيه مشاهدة أصحاب هذه الجثث بشكل واضح قبل يوم أو يومان علي الأقصي في القرية!!!
الشيئ المرعب كذلك هو إختلاف أعمار تلك الجثث بين أطفال وشباب وكهول.. نساء ورجال.
لا يوجد خيط واحد يستطيع أن يبدأ منه...
وفي قرارة نفسه كان يدرك أن الأمر خارج النطاق الطبيعي, هذه الحوادث لها تفسيرات أخري.. ولكن ليس لديه الجرأه لكي يوضح ذلك لقياداته...
كان يمشي جيئة وذهاباً في توتر... لم يعتد هذا الكم من الغموض أبداً وإحساسه يشير أن هناك تطور سرف يحدث..
ولكم كان محقاً!!
_________________________________________
* الساعة العاشرة مساءاً
منزل كفافي عبد العزيز..
أحد الدجالين المشهورين في الصعيد في تلك الفترة.
جلس الرجل في غرفته القاتمة التي يزين جدرانها بعض التماثيل لحيوانات محنطة.
والبخور يتصاعد من جنباتها من المباخر الصغيرة.
وجلس أمامه رجلان في الثلاثينات من العمر قد بدا عليهما التوتر..
وهما يراقبان كفافي الذي يهمس بين الحين والآخر ببعض الكلمات الغامضة وكأنه يتحدث إلي أشخاص غير مرئية.
يجب عليهم الإنتظار وعدم المقاطعى كما أرمهما كفافي..
هنا وبشكل غريب ووسك الصمت التام..
بدأ صوت طرقات ينساب إلي مسامعهم..
طرقات مكتتاليه علي الجدران...
حتي أن كفافي نفسه نهض من جلسته في فزع.. وهي يحدق في الجدراهن التي يصدر منها الصوت!!!
أحد الرجلان يتلفت حوله وهو يوجه كلامه لكفافي: هي في ايه يا شيخنا.. متفهمنا بالظبط.
أشار له كفافي بأن يصمت.. وهو ما حدث بالنسبة للرجال الثلاثة..
ولكنه لم يحدث لصاحب الطرقات.
فقد إزدادت حدتها ... إزدادت وأصبحت أكثر قوة.
وفي رعب حاول كفافي أن يقرأ بعض التعاويذ أو الطلاسم التي يستخدمها للنصب علي أفراد القرية..
ولكن مع قراءته إزداد الأمر سوءاً..
فقد تحولت الطرقات إلي هدير عالي مفاجئ وأصوات متداخله يصعب معرفة مصدرها..
وتراقصا أصواء الشموع.. وصمت كل شيئ.
وفي ركن الغرفة وقف ظل أسود.. ظل لطفل صغير..
وتجمد الجميع مكانهم من الرعب.. والظل ثابت مكانه.
وفي لحظة إشتعل الكتاب الذي كان يمسك به كفافي.. والرجل يصرخ في فزع ويتمتم بكلمات غير مفهومه.
والرجلان يجلسان في رعب وعدم فهم حقيقي لما يحدث!!!
وهنا جلس كفافي بشكل مفاجئ..
وتحدث ولكن بشكل مختلف تماما هذه المرة.
فقد كان صوته رفيع مبحوح وكأنه فحيح أفعي وليس صوتاً بشرياً..
وهو يوجه كلامه للرجلين.
أنتم من بدأتم وأخترقتم عهدنا لذا فعليكم أن تتحملوا كل شيئ!!
قاطعه صوت أحدهما قائلاً: أي عهج الذي خرقناه لقد...
صرخ به صوت كفافي بشكل مرعب وهو يقول: أصمت...
وساد الصمت التام بعد لدقيقة أو أكثر..
وبعدها بدأ الصوت بالتحدث بلسان كفافي وهويأمر المتواجدين بأوامر واضحه ومميته!!!!
_____________________________________
* فجر الإثنين .. أحد حقول القرية...
* عبد السميع المجروشي..
منذ صباه تعود أن يتواجد كل ليلة في الأرض قبيل صلاة الفجر.
يسقي الأرض..
نعم لقد سمع مثل غيره عن كل ما يحدث في القرية..
ولكن لا مجال لترك أرضه أو الإهمال فيها....
يقوم يتوسيع القنوات في أرضه والمياه تتحرك في إتجاه حقله.
يضع بجواره الكلوب ليضيئ له موضع قدميه
ولكن الشيئ الغريب هو تلك الر ائحه الغريبة التي تكاد تزكم أنفه..
رائحة يشعر أنه يعرفها ولكن ما هو مصدرها..
تحرك الرجل ذاهباً ناحية تلك الغرفة الصغيرة المصنوعة من بقايا الأشجار والخوص...
ودخل إالي هناك.. ووضع المصباح.. في هدوء وهو يغير ملابسه إستعداداً للذهاب لصلاة الفجر...
ولكنه شهق في رعب وهو ينظر إلي قدميه.
فكلتا قدميه كانتا مغطيتان بالدماء تماماً.. بيست دماءه..
فهر لم يصاب لكي ينزف هذا الكم الهائل من الدماء!!
وبفزع حقيقي تحرك الرجل وهو يمسك المصباح ليشاهد مصر هذه الدماء..وبشكل عجيب وغامض كانت الترعة نفسها هي المصدر..
فبدلاً من المياه كانت ممتلئة عن أخرها بالدماء.
وقف الرجل ينظر للمشهد في رعب..
وهنا سمع الصوت بجواره..
ممكن تشيل عني يابني..
سيدة تجلس بجوار الترعة ومعها إبريق فخاري تملؤه بالمياه..
من أين أتت تلك السيدة من الأساس !!
ساعدني يبني والنبي..
حاضر يا أمي..
ونزل عي ركبتيه وهو يتناول منها الإبريق..
وقبل أن يترحك به.. رفعت السيدة وهها ناحيته..
لتظهر ملامحها المرعبة.
ذلك الوجة المشوة وتلك الأعين المفقوده...
وقذف الرجل الإبرق عليها... وهي تقترب منه ضاحكة..
إمشي يا ست إنتي ... أعوذ بالله أعوذ بالله
والسيدة تقترب وضحكاتها تتعالي..
وما كان من الرجل إلا أن أمسك بالفأس الموجود بجواره وهو يهدد السيدة به..
ولكنها لم تستجيب وإقتربت منه في سرعة..
وهوي الرجل علي جسدها بالفأس في قوة..
حتي أنه قد فصل جسدها إلي نصفين..
والسيدة تضحك بشكل جنوني..
والنصفان يتحركان ناحية الترعة.. ويختفيان فيها !!!
وجلس عبد السميع يلتقط أنفاسه في رعب وهو يتأمل جسده الذي غطته الدماء تماماً....
هل سيخبر أحداً بما حدث !؟ ربما لن يصدقه شخص عاقل..
إن الأمر برمته غامض وغريب ومرعب..
وما يحدث هو فقط البداية..
بداية واقع مرعب ومخيف..
ففي الصباح كان جميع مَـن في القرية علي موعد مع خبر آخر !!!
خبر سوف يقلب موازين الأمور تماماً
خبر مفزع وغامض.. إلي أقصي حد.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*